سأتحدث في هذه المقال عن تقييمي الفني للعبة The last of us 2 وسيكون مختلف عن كل المراجعات للعبة في الأنترنت، سأتكلم من ناحية فنية، وسأرفق شواهد عديدة لملاحظاتي الدقيقة على اللعبة.

عكفت الأيام الماضية على لعبة Ths last of us 2 من أجل إنهائها، ضع خطين تحت كلمة “إنهائها”، استغرقت اللعبة مني 19 ساعة، أنهيتها في يومين فقط، والفضل يعود أولًا للأرق، ثم لعطلة نهاية الأسبوع، وإلا ما كنت استطعت لعب كل هذا الوقت في هذه الفترة القصيرة.

هذا التقييم سيحتوى على حرق كلي للأحداث، وسأريحك من الآن وأقول لا يوجد شيء يستحق تضييع أموالك ووقتك عليها، وإن لم تقتنع فبقية المقال كفيلة بذلك.

تحذير (1): ما ستقرأه تاليًا يحتوي على حرق كلي لأحداث اللعبة.
تحذير (2): لغة المقال صريحة ومباشرة، إذا كان هذا النوع من الكلام يزعجك توقف عن القراءة فورًا.

قصة الجزء الأول:

بداية وباختصار تتحدث قصة الجزء الأول عن جول، بطل اللعبة، عندما توكل إليه مهمة نقل وإيصال الفتاة إيلي إلى مقر الفيرفلايز، إيلي تعرضت لعضة من الكلكرز وبدلًا من التحول إلى وحش حدث المعجزة وأصبحت تملك مناعة ضدهم.

الجزء الأول من The last of us
الجزء الأول من The last of us

بتقدم الأحداث بين جول وإيلي يبدأن في التعلق ببعضها البعض، فجول يرى إيلي كأبنته الميتة ساره، وإيلي بطبيعة الحال ترى جول كوالدها، العلاقة الجميلة بين جول وإيلي أدت إلى أن يغير جول منحنى الأمور، فبعد معرفته أن إيلي ستموت من أجل إنتاج اللقاح يغيره رأيه ويتخلى عن فكرة موت إيلي لإنقاذ البشرية.

قصة الجزء الثاني:

في بداية الجزء الثاني وبعد معرفة إيلي بما حدث من جول ينشب بينهما خلاف حاد أدى إلا قطع العلاقة بينهما، في تلك الأثناء وفي مجتمعهم الجديد تعرفت إيلي على فتاة جديدة اسمها دينا، وهنا بدأ المنحنى المخزي لهذه اللعبة العظيمة.

إيلي وسعيها الفاشل من أجل الانتقام
إيلي وسعيها الفاشل من أجل الانتقام  *

مبدئيًا تدور قصة The last of us 2 حول الانتقام، انتقام إيلي من مقتل جول على يد فتاة تدعى آبي، وسعي آبي للانتقام من جول بسبب قتله لوالدها. وقلت مبدئيًا لأن القصة تملك جوانب عديدة داعمة لفئات شاذة، وتم تغليفها بالانتقام لا أكثر محاولة لستر ما لا يستر.

تبدأ المهمة الأولى لإيلي باستكشاف بعض المناطق رفقة دينا، وبعد تأخرهما في العودة بسبب عاصفة ثلجية يقرر جول وأخيه تومي الذهاب للبحث عنهما، ويا لمحسان الصدف، يلتقيان بآبي التي قتل جول والدها في نهاية الجزء الأول، وينقذا حياتها من مأزق مميت.

وبدل من اصطحابها إلى مجتمعهم الآمن، يذهبا معها بكل سفاهه إلى مقر عصابتها، وبكل سذاجته وغفلة يخبرهم أن اسمه جول، جول الذي أباد الفيرفلايز، والذي اختار إنقاذ فتاة مجهولة على إنقاذ البشرة.

وفي لحظة، يطلقون الرصاص عليه، ويضربونه في رأسه قبل أن يجد وقت للتكلم، في تلك الأثناء وبينما إيلي مشغولة بالسحاق مع دينا إثر محاصرتهما من العاصفة الثلجية.

أول مهمة في لعبة The last of us 2
دينا اللئيمة

وبعد علم إيلي بخروج جول للبحث عنهم، تجري بدورها في محاولة منها لمساعدته، وبعد وجودهم يعدمونه أمامها كذلك بدون أدنى تفسيرات، ولا حتى أخذ وعطاء، لدرجة تشك أن هذا جول حقًا أم شخص آخر، لا يعقل أن يموت جول بهذه الطريقة الغبية.

موته مخزية لبطل لا يمكن له أن يقع في خطأ بهذه السذاجة، ولا تفهموني بطريقة خاطئة، أنا مؤيد كل التأييد لموت الأبطال، بل أن الأعمال الفنية التي يموت أبطالها تعجبني أكثر من غيرها، ولكن النقطة المهمة هنا هي في كيفية موت البطل، وليس جعله يموت موتة “أي كلام” و “تسليكية” من أجل صنع قصة انتقام سطحية.

الشخصيات:

جيسي
شخصية جيسي – The last of us 2

مع تقدم اللعبة ستلاحظ أن الشخصيات الأساسية والجانبية على حد سواء لا تملك أي اعتبار، وجودهم لا يخدم القصة ولا يضيف لها قيمة إضافية، كما أنهم يموتون هكذا بدون أن تدرك ماذا يحصل أو قبل أن تتعلق بهم حتى، أصلًا لا يمكنك التعلق بهم لأنها شخصيات فارغة.

فبداية من جول بطل القصة الأساسية ومحورها، الشخص الحكيم الذي عايش 25 عام من بداية تلك الكارثة، سنوات وسنوات من محاربة العصابات والوحوش، سنوات من الخبرة والحنكة، شخص مدرك تمامًا لكمية التقلبات والخيانات الموجودة في ذلك الزمن.

جول يموت بغباء كما أشرت في الفقرة السابقة، وجيسي كذلك يموت بنفس الطريقة كما سأذكر لاحقًا، أصدقاء آبي يموتون بطبيعة الحال بطرق مشابهه، باستثناء نورا التي كان موقفها وموتها هو أفضل السيئين.

شخصية آيزك
شخصية آيزك – The last of us 2

الشخصيات عمومًا سواء الخيرة أو الشريرة ضعيفة، وليس لديها أساس قوي لبناية قصة محكمة، ولا تقارن أبدًا بشخصيات الجزء الأول، ولا حتى بألعاب أخرى كثيرة مبنية من مطورين أقل خبرة وأضعف دعمًا.

الغريب أن هناك شخصيات تملك طابع مميز ولها حضور مختلف، همشت وكأنها غير موجودة، إضافتها وعدمها سواء، أتكلم عن آيزك، تومي، وجول بالطبع.

نقاط ضعف الكتابة القصصية والشخصيات مستمرة مع ركاكة الحوارات وابتذالها، مثل سؤال دينا لإيلي: كيف تقيمين قبلتي لك من صفر لعشر.

بالمناسبة، وحتى لا تنصدموا، اللعبة ذكورية أكثر من أنمي جوجو، وستجد شخصيات لا تستطيع تمييز جنسها.

الرواية القصصية:

حاول المطور استخدام أسلوب سرد قصصي مختلف، فهو أولًا ينقلك تدريجيًا ما بين إيلي بطلة اللعبة، وبين آبي، الشخصية الشريرة، وحسب رأيي فهي أيضًا بطلة اللعبة، لأنك تلعب بها أكثر مما تلعب بإيلي، حتى أنك في النهاية ستواجه إيلي وأنت تلعب بآبي، صدق أو لا تصدق.

إيلي في مواجهة نورا - The last of us 2
إيلي في مواجهة نورا – The last of us 2

من بداية اللعبة ستجد نفسك تلعب بشخصية جديدة لا تدري من هي وما علاقتها بالقصة، يا رجل! هل اشتريت اللعبة لألعب بشخصياتها السابقة أم لتجربة شخصيات جديدة؟ لو أدرت شخصيات جديدة لبحثت عن لعبة أخرى لا عن واحدة أتوقع منها أن تستكمل لي القصة الأساسية.

سيقول البعض طبعًا هدف المطور أن يعطيك نظرة أخرى لأبعاد تصرفات الشخصيات الأساسية، وكيف أنها تؤثر على الآخرين. طيب جميل وفكرة رائعة، لكن الأسلم في هذه الحالة فعل ذلك عبر مشاهد سينمائية، الكل يفعل هذا وهو أسلوب ناجح فعلًا في الأنمي والأفلام، من خلال دقائق معدودة يغير نظرتك بالكامل عن إحدى الشخصيات، فيتحول من الشرير الظالم إلى المسكين المظلوم.

لماذا علي لعب 50% بشخصية كريهة، أنثى في هيئة ذكر، شخصية لا يمكن لك بأي حال من الأحوال أن تتعلق بها، أو تتعاطف معها، وفوق كل هذا يحاول مطور اللعبة إظهارها بمظهر المظلومة، المسكينة التي تسعى للأخذ بثأر والدها الظالم.

تسلسل الأحداث:

تسلسل الأحداث والتنقل بين شخصيتين قطع أطراف الحماس والاندماج مع الشخصيات والتعلق بها، ووجه لها الضربة القاضية عندما دمر التقدم بذكريات الماضي المطولة، ذكريات لا تعرف لها أي فائدة سوى تطويل وتمطيط اللعبة بدون هدف واضحة.

إيلي - The last of us 2
إيلي – The last of us 2

وإن كان الكلام عن أن المطور يحاول توضيح جوانب مجهولة من القصة من خلال تذكر الماضي، فكان بإمكانه بكل سهولة جعل الذكرى عبارة عن مشهد سينمائي قصير، يوضح لك كل ما يرغب في توضيحه، بدل من جعلك تلعب ساعات عديدة مهام في غاية الملل.

قطع تسلسل الأحداث كفيل بجعلك تنسى المهمة التي تقوم بها، تخيل إلى هذه الدرجة.

بين الطهارة والقذارة:

من لعب الجزء الأول يعرف كيف كانت علاقة جول وإيلي بريئة، كعلاقة الأب بابنته، وأجزم أن معجبي اللعبة أحبا تلك العلاقة لنقائها، وكان الجميع يتمنون تقديم المزيد من هذا النوع من الحب، وهو توجه نادر ما يستخدم في الألعاب القصصية.

إضافة The last of us left behind
إضافة The last of us left behind

تحول توجه القصة بدا جليًا مع إضافة ليفت بيهايند للجزء الأول، ولكن لا أحد كان يتوقع أن تصبح اللعبة بجزئها الثاني منتج منحط يحمل كل هذه الأفكار الشاذة والصريحة والغير معهودة في عالم الألعاب بهذه القوة.

لقطة أخرى لا أدري ما فائدتها، حينما يعرض شخص عاري أثناء تعذيب آيزك له، لماذا جعلوه عاريًا؟ لن تعرف السبب، هي فقط إضافة عقيمة من مطور اللعبة لأهداف معلومة.

القذارة دركات:

وكما هو معروف بالضرورة، لا يمكن للكائنات الحية بجميع فصائلها الحمل والولادة بدون عملية جنسية بين ذكر وأنثى سليمين ومعافين جسديًا، ولأن الشواذ وداعميهم يعلمون ذلك علم اليقين، فقد جعلوا دينا تلعب على الحبلين.

تمارس الجنس مرة مع إيلي ومرة مع جيسي، والهدف ببساطة جعلها تحمل من جيسي، ثم التخلص منه بأي طريقة كانت، من أجل أن يتاح المجال لإيلي، حتى عندما يتزوجان في نهاية اللعبة يجدا معهما ولد يرعياه.

أبن جيسي ودينا
أبن جيسي ودينا – The last of us 2 *

وبكل صراحة، بمجرد معرفتي بحمل دينا بداية اللعبة فقد علمت مباشرة هذا الاستنتاج، وهو ما حدث فعلًا عندما مات جيسي ميتت الكلاب، ميته لا تختلف عن تلك التي ماتها جول، سوى أنها أسرع.

مشهد آخر لجنس صريح بين آبي وصديقها، وبعكس لقطة إيلي ودينا الموجه للإناث الشاذات فهذه موجهة للذكور الشواذ، لقطة تجاوزت كل قذارة الألعاب مجتمعة.

أوه كدتُ أنسى، من الأفكار القذرة التي تحاول اللعبة إظهارها فكرة حرية الأفعال المطلقة، فبعد أن انتهت دينا وإيلي مما كانتا يفعلانه دخل عليهما جيسي، وبالطبع لم يبدي أي اعتراض، وكذلك فعل من قبل عندنا قبلت دينا إيلي، وكأن ما تفعله عشيقته أمر طبيعي وعادي جدًا، أن تمارس الجنس مع من تشاء وكيفما تريد.

جميع المشاهد القذرة بلا استثناء في اللعبة لا تخدم القصة بأي وجه كان، ولا يمكن لأحد إنكار أنها إضافات مدسوسة لأهداف واضحة للعيان، ولو حذفتها من اللعبة لما تغيرت في مجرياتها أي شعره.

أسلوب اللعب:

لم تقدم اللعبة ما يستحق الذكر مقارنة بالجزء السابق، تحسينات طفيفة هنا وهناك، والتي بالنسبة لي كانت تبدو كتوسعة للجزء الأول لمحدوديتها الشديدة.

أسلوب التخفي في لعبة The last of us 2
أسلوب التخفي في لعبة The last of us 2

أسلوب اللعب يتمحور حول طريقتين فقط، التخفي المتقن في أصله والمحدود في أساليبه، والقتال المباشر، والذي للأسف أيضًا لم يكن بأفضل حالًا من صاحبه الأول -أعني التخفي-.

التخفي، يعتمد كليًا على رمي حجر لتشتيت الأعداء، التخفي وراء الأجسام، والقتل غدرًا، هذا فقط، صدقني، هذا فقط. القتال المباشر قُتل في مهده بسبب كوارث ميكانيكيات التصويب، التصويب في اللعبة كارثة بكل ما للكلمة من معنى، ووجوده في لعبة لن أقول صدرت في 2020، بل سأقول في 2010 يعتبر عار على الصناعة.

تخيل أن التصويب في الجزء الأول الصادر عام 2013 كان أفضل بكثير من هذا، ولتعويض هذه الكارثة حاول المطور إضافة مساعد التصويب (إيم أسست) وهو ما لاحظته من عروض اللعبة التشويقية قبل سنتين ربما.

القتال المباشر في إيلي The last of us 2
القتال المباشر في إيلي The last of us 2

ويؤسفني القول أني أخطأت حينها بضني أنها خطوة موجهة للاعبين البسطاء، لكن الواضح أنه حتى مطور اللعبة عانى كثيرًا من ضعف التصويب فاضطر لإضافة تلك الميزة لترقيع ما لا يمكن رقعه. لن أطيل أكثر هنا فالضرب في الميت حرام.

تنوع الأسلحة ضعيف هو الآخر، وبعضها تكاد تجزم أن الاختلاف بينها أقرب للشكلي فقط، ثم هل يعقل أن تكون أسلحة الجزء الثاني أقل عددًا من الأول، وأضعف تقنيات وتنوعًا كذلك! المشكلة تتفاقم عندما تعرف أن ما ستقوم به في أول ساعة هو نفسه بالحرف الواحد ما ستكرره فيما تبقى من ساعات اللعب.

إضافة إلى ذلك اللعبة تخلت تمامًا عن مفهوم الألغاز، واستبدلته بجانب هو من أسوء ما رأيت على الإطلاق -سأذكره في النقطة التالية- زاد الطين بله السهولة الشديدة في اجتياز العوائق أيًا كانت، وبدلًا من ابتكار أساليب جديدة توجه المطور إلى خطوة قبيحة ممله.

أي تكرار هذا:

جانب آخر من جوانب ضعف اللعبة تكرارها الشديد لما تقوم به، اللعبة عبارة عن محاولة فتح الأبواب المغلقة باب وراء باب بدون أدنى أبتكار، ستقوم بها في كل ناحية من نواحي اللعبة، ولتوضيح الصورة أكثر فما ستقوم به كالتالي:

تتجه من النقطة أ إلى النقطة ب، بمجرد محاولة خروجك من النقطة أ يلزمك فتح أحد الأبواب، هذا الباب مغلق فقط لأن مطور اللعبة لا يريدك أن تنهيها بسرعة، ولفتح هذا الباب عليك اللف حول الكرة الأرضية.

حسنًا، هل يمكن اعتبار هذه مشكلة؟

المفترض ألا تكون مشكلة، ولكن أن تكرر هذه العملية في كل منطقة وكل غرفة تدخلها فهنا هي لم تعد مشكلة صراحة، لقد أصبحت طامة.

المزية الجديدة لإيلي "الانبطاح" The last of us 2
“الانبطاح” The last of us 2

التكرار ليس فقط في فتح الأبواب، بل في كل جوانب التقدم، فنفس طريقة التسلل ستكرر استخدامها حتى تمل منها، الأبواب الكهربائية ستكرر تشغيل مولداتها، أوه صحيح، المولد لا يعمل مباشرة، عليك أولًا وصله بالكابل الأصفر، ثم محاولة تشغيله، ولكنه لن يعمل أيضًا.

هل تعرف لماذا؟ لأن وقوده قد نفذ، والآن عليك البحث في كل ملم من الخريطة وفي كل غرفة قابلة للفتح من أجل الحصول على برميل الوقود، لكن هذا ليس كل شيء، برميل الوقود هذا فارغ، وعليك البحث مجددًا على خزان الوقود لملئ ذلك البرميل الملعون.

وبعد ساعة من البحث تجد خزان الوقود ولكنه فارغ أيضًا، فتعود من جديد من أجل البحث عن خزان وقود مليئ بالوقود، وبعد كل هذا التعب واللف والدوار، تفتح تلك البوابة اللعينة، من أجل أن تجد وراءها باب لعين آخر. ويا ليت الأمر أقتصر على هذا فقط، لا تنسى أنه في عملية بحثك ستخوض عدة معارك تكراريه أيضًا.

ثم لماذا علي الاستمرار بالضغط المطول على زر “مثلث” لإجراء أي أمر باللعبة، لماذا لا تكون ضغطة مثلث واحدة كافية، لماذا علي في كل مرة تحمل تكرار تلك الثواني الكئيبة، خطوة تدل على فقر المطور إبداعيًا، خطوة بدون أي قيمة إطلاقًا.

الرعب الزائف:

حرب العشائر - The last of us 2
حرب العشائر – The last of us 2

صدقًا يا جماعة، اللعبة لم تعد لعبة رعب وبقاء، ولا يمكن تصنيفها كلعبة نجاه. بل أصحبت لعبة أكشن بحت، تكاد تجزم في بعض مهامها أنك تلعب كول أوف دوتي وليس The last of us .

يا جماعة كمية المواجهات المباشرة وغير المباشرة في اللعبة قتلت حس النجاة فيها، وغيرت توجه اللعبة من لعبة رعب إلى أكشن بامتياز، ولولا أنها ما زالت بمنظور الشخص الثالث وليس الأول لكادت أن تصبح دوم إيترنال على حين غفلة.

نقطة أخرى متعلقة باللقطات المفاجئة والتي عادة ما تكون عصب ألعاب الرعب تكاد تكون معدومة، وبدون مبالغ لا أظنني تفاجئت منها إلا 3 مرات فقط، تخيل لعبة كامله لدى مطورها كل السبل لجعلها مذهله تظهر بهذا المظهر الهزيل.

الرعب بطبيعة الحال منحدر المستوى، فلم أشعر بالخوف تقريبًا، ولا حتى الحماس، ولعلها لقطة واحدة فقط التي يمكنني القول جزئيًا أنها كانت حماسيه، اللقطة التي تضطر فيها للهرب من أقوى زعيم في اللعبة، لدرجة تظن أن قتاله والفوز عليه مستحيل.

آبي، ذكر أم أنثى؟
آبي، ذكر أم أنثى؟ – The last of us 2

ثم فجأة يقرر الذكر الذي تلعب له، أوه آسف أقصد شخصية آبي التي يزعمون أنها أنثى، كما تعلمون يعني اختلط علي الأمر ونسيت أنها فتاة. المهم، تقرر تلك الشخصية في نهاية الأمر مواجهة زعيم الزعماء الذي قبل دقيقة فقط كانت تهرب منه كما يهرب المرء من الموت، وبالطبع بما أنها تملك جسد ذكر فستهزمه بقوتها الجسدية.

انعدام القيمة:

الجزء الأول امتاز بقلة عدد البشر المسلحين، وعدد الوحوش يتفوق عليهم، مع ذلك كانت المواجهات تملك طعم خاص، لأن وجودها يخدم هدف اللعبة، أما الآن فالأعداء المكررين منتشرين في كل مكان، لدرجة أني لم أعد أطيق مواجهتهم، تخيل أن تكرر دخول المعارك وأنت مسلح بميكانيكية تصوير مضروبة وأساليب تخفي محدودة.

إيلي في مواجهة الطائف – The last of us 2

كثر التكرار جعلتني في مرات عديدة أركض في المنطقة بدون وضع أي اعتبار للأعداء، فبمجرد خروجي من حدودهم تتوقف فاعليتهم، حدودهم هذه بالمناسبة قد تكون صعود درج الدور العلوي، أو القفز من بين ممرين، أو حتى فتح واحد من مئات الأبواب التي ستقابلها في كل مكان.

ما أعنيه من هذا أن نسبة كبيرة من المواجهات هي محشورة فقط لتطويل القصة لا أكثر، تكرار المواجهات جعلها بدون قيمة.

القصة والشخصيات والتصرفات في اللعبة كلها بدون قيمة، وستدرك ذلك بتقدمك للعبة، مثل إضافة الطائف الدينية التي لم ولن تعرف ما فائدتها وما هدفها وما الفكرة التي حاول المطور إيصالها منها، فقط حشو زائد للعبة مليئة بالحشو مسبقًا.

منطقية التصرفات:

هل تعرف متى أنظر للعمل الفني القصصي على أنه رائع؟ عندما تقنعني تصرفات الشخصيات، بمعنى عندما يخير بطل القصة فيختار الأول على الثاني، بناءً على معطيات ومبررات مقنعة تدعم وجهة نظرة، وليش شرطًا أن تكون مقنعة 100% يكفي أن تكون مدعومة بوجه أو بآخر من المبررات المنطقية.

حالة أخرى عندما أرى العمل الفني يسير على خطى واضحة بدون تناقضات، وليس أن تراه في كل مرة ينتهج نهج معين يجعلك تتعجب من طريقة تفكيره ومن كميه التناقضات التي يمر بها.

التناقضات الموجودة في اللعبة كثيرة لدرجة جزمي أنها كتبت من قبل عدة فرق، وليس من قبل فريق واحد.

بطل الجزء الأول، جول
بطل الجزء الأول، جول – The last of us 2

غضب إيلي من جول غير مبرر، بسبب اختياره إنقاذها بدل استخراج اللقاح منها، إذا كانت تريد الموت فمن السهل عليها أن تنتحر، وإذا كانت ما زالت ترغب في عمل لقاح ما لماذا لا تذهب للبحث عن مستعمرة متطورة تنقيًا كتلك الموجودة في مجموعة آبي!

ثم هل يعقل بشخص لا يملك أحدًا يهتم بأمره سوى جول، شخص مقطوع من شجرة، أن يختار الموت بدل من البقاء مع أقرب شخص إلى قلبه، أي تناقض هذا!

تناقضات المبادئ:

حالة أخرى في رغبة إيلي بالانتقام لموت جول، في أول مواجهة بينها وبين آبي تترك مسدسها وفرصتها الوحيدة للانتقام لكي لا يقتل تومي الذي كان يصرخ عليها ألا تتراجع، ثم تكرر الغلطة و تستسلم بعد فشلها في قتل آبي.

خيار آخر لآبي لم يكن مقنعًا، ولا مبررًا عندما كادت أن تقتل دينا، ولكن توقفت بعد أن علمت أنها حامل، وكان المنطقي أن تقتلها كما قتلت إيلي صديقة آبي التي كانت حامل أيضًا. الدوافع في تلك اللقطات لم تكن مقنعة بالمرة، ولن تكون.

لحظة مصيرية لآبي
لحظة مصيرية لآبي – The last of us 2

في تقدم القصة تقرر آبي فعل المستحيل في مهمة انتحاريه من أجل أثنين من الطائفة الموجودة في اللعبة، ليس هذا فقط، بل تخون عشيرتها وتقتل فيهم قدر استطاعتها، والسبب أنهم أنقذوا حياتها، طيب عندما أنقذ جول حياتها لماذا لم تفعل المستحيل من أجله، لماذا لم تسامحه، أو على أقل تقدير لماذا لم تخض معه في الموضوع وتناقشه وما إلى ذلك.

نفس الكلام يقال عن سفاهة جول في إخبارهم باسمه، لماذا لم يكذب ويقول أن اسمه ديفد مثلًا، لماذا أخبرهم أنه جول وهو يعرف أنه قد حارب أقوى مجموعة حينها، الفيرفلايز.

وأكرر لا مشكلة لدي في قتل الأبطال، المشكلة في تناقضات المعايير التي يمشي عليها مطور اللعبة، وفي تصريفه للشخصيات وكأنه حاقد عليهم، سواء جول أو غيره.

التصميم والبيئات:

جانب إبداعي في لعبة The last of us 2
جانب إبداعي في لعبة The last of us 2

إحقاقًا للحق، تصميم عالم اللعبة من أبدع ما يكون، البيئات في غاية الجمال، المباني المهدومة مصممة بإتقان شديد، طريقة دمج النباتات مع المباني المحطمة، وكيفية تصميم الأنهار في الشوارع المكسرة، النواحي البصرية لا غبار عليها، وهي بالتأكيد واحدة من أفضل ما أنتجت سوني.

لكن من المؤسف كيف أن هذا الجمال لم يتم استغلاله بطريقة صحيحة بسبب كثرة الجوانب السلبية، بيئات اللعبة الواسعة لم أرى فيها أي ميزة إضافية، بل على العكس تمامًا وجدتها سلبية بسبب أنها تزيد وقتك فقط في اللف والدوران والبحث عن الفتات.

النواحي الإبداعية:

القتال قريب المدى
القتال قريب المدى – The last of us 2

ناحية أخرى أبدع فيها أستوديو نوتي دوق وهي القتالات قريبة المدى، طريقة اللكم والضرب بالأدوات البسيطة، وكيفية تفادي الضربات، التأثيرات المصاحبة لهذه العملية والتفاعلات المتقنة من البشر والحيوانات والوحوش في اللعبة عند تلقيهم للضربات شيء مذهل، قلما نشاهد مثله حتى من ألعاب القتال اليدوي، بل لا أذكر صراحة أني رأيت لعبة بمثل هذا المستوى المتقن.

فيزيائية الحركة هي الأخرى سابقة لعصرها، وقلما نشاهد شيء بها المستوى في عالم الأجهزة المنزلية.

أفضل لقطة:

في الفصول الأخيرة وبعد اعتزال إيلي ودينا مجتمعهم من أجل عيش حياة هادئة، ما زالت إيلي تعاني من أثار نفسية بسبب موت جول وفشلها في الأخذ بثأره، وفي لحظة تدفع فيها الرياح ببوابة الحضيرة لتضرب بأقصى قوتها، مصدرةً صوتًا يعيد رأس جول المهشم إلى ذاكرتها. فتبقى إيلي تصرخ وتبكي بطريقة هستيرية.

ذكريات جول الأليمة
ذكريات جول الأليمة – The last of us 2 *

آه.. شعرت حينها بشيء من الرضى، هذا ما تستحقه إيلي، هذا هو ثمن التخلي عن الانتقام لجول. وكأن مطور اللعبة قد علم أن اللاعبين سيكونوا مستائين من تصرف إيلي، لذلك جعل لهم لقطة تسكيتيه بسيطة ليرضوا عن اللعبة، ومع ذلك أحيي مطور اللعبة على إدراجها.

ختامية معقولة:

منزل إيلي خاويًا على مصراعية
إيلي تعود وحيدة – The last of us 2 *

الفصل الأخير من اللعبة هو أفضل فصل بلا شك، تقرر إيلي السعي من جديد من أجل الانتقام، إيلي لم تعد فتاة طبيعية، أثار المعاناة واضحة جدًا في وجهها واختلاط مشاعرها وهزالة جسمها، تنطلق إيلي غير مبالية لمشاعر دينا متتبعة آثار آبي.

وبعد معاناة تجد آبي مصلوبة تترك للموت على ضفة الشاطئ، تنقذها من الموت لتخوضان معركة يدوية رائعة وجميلة، وبعد ضرب موجع وتعذيب متفرق لآبي، تتركها إيلي لتعيش، وهي خطوة لها وجهة نظر مقنعة من ناحية منطقية.

جول قتل والد آبي، وآبي قتلت من يعتبر والد إيلي، جول، وهنا تساوى الطرفين، ولم يعد هناك حاجة لسفك المزيد من الدماء.

تمنيت لو ترك الخيار للاعبين وقتها، بحيث يختار اللاعب هل يقتل آبي أم يتركها لتعيش، لو ترك الأمر للاعبين لكانت النهاية أفضل بكثير.

إيلي لم تعد كما كانت
إيلي لم تعد كما كانت – The last of us 2 *

تعود إيلي بعد ذلك لمنزلها فتجده خاويًا، لقد غادرت دينا بغير رجعة، فتبقى إيلي وحيدة كما كانت، خسرت كل من تملكم، وفوق كل هذا فقدت أصبعين من يدها اليسرى، ما يعني أن عزفها على قيتار جول لم يعد ممكنا.

ختامية معقولة ومرضية إلى حد ما لقصة مستهلكة مليئة بالتناقضات والترهات.

لا يُصلح اليوم ما أفسد الدهر:

صحيح أن نهاية اللعبة كانت مقبولة، وصحيح أن اللعبة تعتبر مذهلة من جوانب تقنية، مثل الرسوم، وتصاميم البيئات، والمؤثرات الصوتية، والأداء الصوتي للشخصيات، وفيزيائية الحركة.

لكن لا يمكن لهذا كله أن يصلح ما أفسدته اللعبة، سواءً من توجهها الفكري المخزي، أو من تكرارها المميت، أو من محدوديتها الشديدة، ومن تناقض المبادئ، ومن احتوائها على مشاهد قذرة.

من اعتمادها في بناية قصتها على الصدف، ومن ركاكة الكتابة، وسذاجة الشخصيات وهزالة بنائها، وسطحية الحوارات، ولا منطقية التصرفات، من رعبها الزائف، ومن أسلوب لعبها المحدود، ومن أفكارها الغبية… وغير ذلك الكثير.

كل هذا وأكثر يجعلك بدون أدنى شك ترمي بنواحيها الإيجابية القليلة عرض الحائط، وتدفعك للندم على وقتك ومالك الذي دفعته في لعبة لم تكن في أي من لحظاتها لعبة.

ختامًا:

بعد هذه التجربة الكريهة، لا أنصح إطلاقًا بشراء The last of us 2، وأراها واحدة من أسوء ما لعبت في حياتي، مضيعة للوقت والمال، لعبة خالية تمامًا من الآثار والمعاني. لعبة تعتمد في سردها القصصي على الصدف، السذاجة، والتناقضات، وانعدام المبادئ.

وجدير بالذكر أنه رويج للعبة عبر الكذب على الجمهور، مشاهد العروض التشويقية مخادعة، وتعرض لقطات غير موجودة في اللعبة أساسًا. وتدمج في زوايا أخرى أكثر من مشهد لتعطيك تصور مغاير لواقع اللعبة.

وخذوها عني، هذه اللعبة The last of us 2 ستكون وبالًا على صناعة الألعاب، وستكون هي الباب الذي كان ينتظر بقية المطور أن يُفتح حتى ينشروا أفكارهم الرذيلة والقذرة.

يعني تريدنا أن نصدقك وندع تقييمات النقاد التي تأخذ بالتسعات والعشرات ؟

الخيار لك، ذكرت لك هنا نقد شامل مدعوم بالاستشهادات، سواء من النواحي السلبية أو الإيجابية، فإن كان لديك رأي مختلف أطرحه وأدعمه بالاستشهادات كما فعلت أنا.

معظم صور اللعبة مأخوذة من مصادر متفرقة على الأنترنت، واحد منها متجر بلاي ستيشن، والبعض الآخر (وضعت عليها “*”) من تصويري الشخصي داخل اللعبة.

الجيد في الموضوع أن هذه اللعبة جعلتني أكتب مقال يزيد عن 3500 كلمة في فترة قياسية 🙂 أرجو أن تكون قراءتكم له ممتعه، تحياتي.