منذ أول يوم أنشأت فيه المدونة، ألتزمت أني سأكتب دائمًا عن تجاربي بكل صدق وصراحة، حتى تلك التجارب التي لا يجرؤ أحد عن الحديث عنها، هذه المرة مع جانب آخر لم يسبق أن كتبت عنه.

كما تعلمون، يمر الإنسان بمراحل متفرقة في حياته، حتى يصل إلى تلك اللحظة، التي يقول فيها: تنحو جانبًا يا جماعة، لقد حان الوقت للبحث عن تعيسة الحظ التي تقاسمني نصف حياتي (حياتي نصفان: نصف لي، والنصف الآخر تقاسمه معي، يعني هي تأخذ 25%، تمام؟ تمام 🙂

المهم حان وقت الجد، سأتحدث اليوم عن تجاربي بهذا الخصوص، وسأحاول تلخيصها حسب المراحل التي مررت بها، آمل أن يكون هذا المقال مفيد لأي شخص تقع عينه عليه، قراءة غير ممتعة 🙂

الوجهة:

يبدأ الأمر برغبتك في الزواج من مكان ما، التوجه نحو هذا المكان محركه الأساسي هو الرغبة فقط، لا أسباب منطقية وراءه، وأثناء سعيك له وتعمقك فيه بصورة أكبر، تجد الأسباب تكثر لإقناعك بأنه أفضل مكان.

ومع رؤيتك للعديد من السلبيات تظهر على السطح، تستمر بقول أنها غير مؤثرة، مقارنة بالكم الهائل من الإيجابيات التي تظهر أمامك، لعلها إيجابيات فعلًا، أو لعل رغبتك هي من تضخمها لتبدو بهذا البريق واللمعان.

كلما زاد تأملك.. زاد تألمك.

وكلما اقتربت أكثر ازدادت رغبتك إلحاحًا، وشيئًا فشيئًا تبدأ في رسم الصورة الوردية، والأحلام المستقبلية لـ تعيسة الحظ وسعادتك معها.

الجانب الذي جهلته هو أنك بدون قصد تزيد عمق الحفرة التي ستسقط فيها، فمستوى تأملك لنتيجة ما قد يحدث، قد تنسيك أن احتمالية الرفض تساوي أو تفوق احتمالية القبول، وربما هي تنتظرك على أحر من الجم.

الصدمة:

بقدرة قادر، تتحول اليد الناعمة لعروس الأحلام إلى يد محارب مغولي من أحفاد جنكيز خان، وفي يده رمح أَحدُ من السيف، كنتَ تَسُنه وتصقله بإتقان، ليوجه بغتةً إلى صدرك.

المؤلم ليس الرفض بحد ذاته، المؤلم صدقًا أنك لم تكن شيئًا من الأساس، فالشخص الذي رسمت الآمال للارتباط به، لم تكن ضمن مجال رؤيته حتى.

تأثير صدمة الرفض قد يستمر بعض الوقت، خصوصًا وأن هذه أول محاولة لك، ولم تمتلك مناعة الصدمة بعد، لا عليك، ستكتسبها لاحقًا، صدقني.

في حالتي -وهذا من فضل الله- التأثر جراء الرفض كان مقدورا عليه، فأنا مؤمن دائما أن الخير فيما اختاره الله.

الضياع:

يأتي بعد مرحلة الصدمة، مرحلة الضياع، فخطتك الغير جهنمية كانت مرسومة لمسار واحد فقط، ولا وجود لخطط بديلة أو خيارات ثانية تتجه إليها، وهذا ما يوصلك إلى نقطة الضياع المؤقت، أي مسار عليك التوجه إليه الآن، هل سأجد من هي أفضل منها؟

أين تختبئ تعيسة الحظ
أين تختبئ تعيسة الحظ

مرحلة الضياع، قد تستمر طويلًا، ليس لشيء سوى أنك لم تعمل على خيارات أخرى تتجه إليها حال لم تنجح خطتك الأولى. بعد عقد من الزمن، تستجمع شتات نفسك وتبدأ في البحث من جديد.

أنصاف “لا”:

في رحلة البحث عن تعيسة الحظ ستصادف مجموعة متنوعة العبارات المرادفة لـ “لا” ومع تنوعها وكثرتها فما هي إلا وجه واحد من الأوجه المتعددة للرفض، يختبئ وراها ثلة من الجبناء، الغير قادرين على رفضك صراحة.

أنصاف الرفض هذه بالنسبة لي كانت مشكلة حقًا، فلا هم قالوا “نعم” ولا “لا”.

نصف أجوبه كان معناها بالنسبة لي أن الوقت غير مناسب، وكأنه اتصال هاتفي يقابله رد ألي بـ”الرجاء المحاولة في وقت لاحق”.

ربما يعتبر البعض هذا من البديهيات، للأسف لم أدرك هذه الحقيقية مبكرًا، واستمررت أطرق بعض الأبواب أكثر من مرة دون جدوى.

مشكلتي في حياتي مع من حولي أنني واضح تمامًا، ووضوحي هذا يوهمني أن الآخرين على ذات القدر من الوضوح، ما الداعي إلى النفاق! لماذا يصعب عليهم قول عبارة قاطعة! والعبارة القطعية بالمناسبة لا تعني سوء الآداب، وقلة الأخلاق.

نقطة مهمة هنا، عدم الوضوح ليس فقط في قول نعم أو لا، بل في العملية كاملة، دائما ما تشعر أن هناك خطب ما، أمور مبهمة وغير واضحة، وما ذكرته مجرد موقف واحد من ضمن العديد من المواقف المختلفة.

هل كنت سطحيًا؟ هل كنت غبيًا؟ لكي لا أدرك مبكرًا معاني أنصاف الـ”لا”، لا أعلم صراحة، لكني غير نادم على وقتي الضائع، ولا على محاولاتي الفاشلة، على الأقل أعلم أني قد فعلت ما بوسعي وزيادة، أنا راضي تمامًا الرضى عن سعيي هذا، ومؤمن تمامًا أن الله سيجازيني خيرًا، ويعوضني بما هو أجمل.

انطفاء الشمعة:

بعد ترسانه من الرفض المتنوع، تنطفئ الشعلة التي بداخلك، وتزهد في فكرة الزواج، فالزواج من عدمه أصبح سواءً، يبدو أن الصدمات المتكررة من المخطوبات، أو من آبائهن أحالت رغبتك إلى سبات عميق، كسبات الدب القطبي.

في هذه الأثناء قد يحاول أصدقائك المقربون حثك على المحاولة من جديد، وعليك ألا تستسلم، اعتبرها استراحة محارب، في حالتي استمر الأمر لبعضة أشهر.

الشرارة:

لا يستمر انطفاء شرارتك كثيرًا، بعدها تعاود السعي من جديد، الجيد في هذه المرحلة تصالحك التام مع الرفض، فالقبول أو الرفض بالنسبة لك تحصيل حاصل لا أكثر.

كان الطريق أطول مما ظننت
كان الطريق أطول مما ظننت

الاختلاف في هذه المرحلة عن سابقتها أنك ستغير طريقتك في البحث، فبدل من التركيز على خيار واحد، يصبح أمامك مجموعة من الخيارات، وتبدأ في تجربتها واحد تلو الآخر، دون تأخيرات أو دراما فوق العادة.

يعني عادي جدًا تخطب واحدة اليوم، ويأتيك الرفض قبل أن تعد حتى ثلاثة، فتستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وتنتقل للمحاولة التالية.

العجيب أن لهب الشرارة سريعة الانطفاء، فما أن تبهت حتى تفقد رغبتك، لفترة أطول ربما.

نفاذ الخيارات:

بعد نفاذ الخيارات المتاحة لك، وبعد انطفاء شمعتك، وتلقيك لجملة من الرفض متعدد الأشكال، لم يعد لديك خيار سوى الاستعانة بمن حولك (أعني خارج نطاق عائلتك). تبدأ في التفكير في الأشخاص الذين تثق بهم، لعلهم يوصلوك إلى خيارات لم تكن ضمن نطاق رؤيتك سابقًا.

وبعد فلتره عميقة لكل منهم، أملًا في الاستعانة بمن هو قادر على الترشيح بحكمة. وبعد بحث دقيق، وصعوبة بالغة في إيجاد من يُتوسم فيها الملائمة، تنصدم برفض جديد وكأن ما حدث لك سابقًا لم يكن كافيَا، يا ربي صبرك ورضاك والجنة.

الحيرة:

حسنًا، بعد كل ما سبق، تبدأ مع نوع جديد من المعاناة، ولكنها معاناة مختلفة، إنها حرب داخلية بينك وبين نفسك، تشك فيها في معاييرك للاختيار، المعايير التي بنيت عليها كل هذا.

الضياع في رحلة البحث عن تعيسة الحظ
الضياع في رحلة البحث عن تعيسة الحظ

أصحيحة هي أم خاطئة، هل المشكلة فيك أم من المجتمع، هل معاييرك في البحث مناسبة؟ هل هي منطقية أصلًا! أهي ممكنة!.

هل يوجد أساسا من تتصف بهذه الصفات! يا ترى أأنا مضطر للتنازل عن الحد الأدنى من معاييري! هل معاييري تصلح لي حقًا؟

وإذا كانت تصلح لماذا لم ييسرها الله لي! وإذا لم تكن مناسبه فما هو المعيار الخاطئ الذي استندت عليه. أين الخلل؟ ليرشدني أحدكم إليه، فما عدت أدري والله.

الوقفة:

بعد سنين عددا من وجع الرأس والحرب النفسية، وبعد محاولات شتى في مراجعة وضبط معاييرك وتحديدها، وبعد التدقيق في شخصيتك ومحاولة وضع ما يناسبها من معايير، تركن إلى أن معاييرك صحيحة، لست خاطئة، هي أنسب ما يناسبك.

فترجع إلى رشدك، وتعرف أن الأمر كله من عند الله، فلا دخل لما تفعله أو ما تخططه في ما سيحدث، هو نصيب لم يأتي بعد فقط، لا سبب آخر تهلك عقلك من أجل معرفته.

“استغرقنا في التفكير.. ونسينا أن الأقدار مكتوبة”

وحتى لا يذهب أحدكم بعيدًا، وأتهم بأني أطلب المستحيل، فطلباتي ليست بذلك التعقيد الذي قد يتبادر إلى ذهنك، هي أشياء عادية، وأسبط بكثير مما يخيل إليك. مثل النضج العقلي، الدين والخلق، تحمل المسؤولية… أشياء حقيقية تبنى عليها الأسرة.

خارج المألوف:

بعد فشل عائلتك، وأصدقائك، ومحاولاتك الشخصية، تلجئ إلى معارف آخرين مقربين منك، تثق بهم، أقصد هنا فئة تعرفها ولكن ليس بالمستوى الكافي الذي يخولك إلى فتح مواضيع عميقة بهذا القدر، وهذا النوع من الأشخاص لدية القدرة على إيجاد خيارات خارج نطاقك بالكلية.

وجدنا تعيسة الحظ المنشودة
وجدنا تعيسة الحظ المنشودة

وهو ما حدث في حالتي، فبعد جهد جهيد وتعب شديد وجدنا أخيرًا فارسة الأحلام المنشودة، التي تقول “موافق”، هرمنا من أجل هذه اللحظة يا جماعة.

ولكن القصة لم تنتهي يا رفاق، فالمفاجئات في طريقها من حيث لا تحتسب، فتارة تتحول تسميتك من “إبن العائلة” إلى عدوها، وتارة أخرى تحصل على رفض جماعي غير مبرر.

ولا داعي للبحث عن أسباب منطقية، أنت فقط لم تكن “كاش” بالقدر الكافي، ولا تنحدر من سلاسة “سماوية”، لذلك سلمنا أمرنا لله، وقلنا وفقكم الله، والسلام عليكم.

شطبات:

أتعرف تلك المشاعر، عندنا تتلقى أحداث سلبية من مجموعة معينة في المجتمع، كأن تكون من أشخاص يعيشوا في مدينة ما، أو يتصفون بصفة معينة، حينها تبدأ بطمس تلك المنطقة من حياتك بالكامل، وتفقد الرغبة تماما في معاودة المحاولة فيها حتى لو كان ضمن أشخاص لم يسبق أن عرفتهم في حياتك.

فلتذهبوا إلى النعيم
فلتذهبوا إلى النعيم

شطبت كثيرًا من المناطق، لم تعد لي رغبة أبدًا في قاربتهم، كرهت حركاتهم وتصرفاتهم، كرهت طريقة تعاملهم وأساليبهم البغيضة، كرهت أفكارهم المريضة.

تنازلات:

لا أخفيكم أني وصلت إلى نقطة قلت فيها لعلي بالغت، أين المشكلة في أن أتنازل عن بعض معاييري، لا مانع من تقليل المتطلبات لتزيد الفرص، وللأسف هذا التفكير خاطئ جدًا.

فرغبتك المحلة للزواج قد تودي بك إلى خيارات خاطئة وغير مناسبة، فلم يعد عقلك من يرشدك هنا، بل أصبح قلبك واحتياجك العاطفي من يقودك.

وهي بكل صدق مرحلة خطيرة جدًا، إن لم تتدارك نفسك فيها قد تقع في خطأ تجر تبعاته سنوات عديدة، وربما لطيلة حياتك.

فالحمد لله قبل كل شيء على هدايته وتوفيقه دائما وأبدًا. (هذه النقطة بالتحديد تحتاج إلى تفصيل كثير، لعلي أفعل ذلك لاحقًا)

قلة الحيلة:

في لحظة ما تشعر فيها أنك استنفذت جميع محاولاتك، ولم يعد لديك ما تفعله، ولا حتى طاقة للمحاولة، فلا محاولات عائلتك مفيدك، ولا أصدقائك ومعارفك المقربين، ولا سعيك أجدى نفعًا.

هنا تتوقف، تصل لمرحلة السلام الداخلي، والتصالح مع الحال، تصالح مليء بالرضى عن محاولاتك الجادة.

هنا تفقد تماما دافعك للمحاولة من جديد، تزهد فيها، فقد نفدت طاقتك، ولم يعد لديك شرارة تحركك، لم يعد هناك حطب لتشعله أساسًا، والصورة الإيجابية لم تعد كذلك حتى.

تبعات:

بالمناسبة، بعد معاناة لأيام، وزيارة أكثر من طبيب، تفاجئت بتشخيص الأعراض التي أصابتني بالقولون العصبي. وعند مراجعة حياتي ما وجدت شيئًا عقدني بقدر الزواج، قاتلكم الله.

نقطة أخرى، ظهر لدي بعض الشيب في رأسي وأنا ما زلت في ريعان شبابي، ومرة أخرى، ما أرقني شيء بقدر الزواج، قاتلكم الله للمرة الثانية.

عموما، تذكرت أني أنادي دائمًا بأخذ الأمور ببساطة، فجمعت شتات نفسي، واستعدت رشدي من جديد، لا يوجد شيء يستحق كل هذا، الحياة حلوة 🙂

ختام الختامية:

هذا المقال هو خلاصة محاولات عديدة جدًا، امتدت لـ 4 سنوات، ولا تفهموا من كلامي أنني مكسور، محطم، أو منهزم، أو مستسلم مثلًا، لا لا.

إنما ضقت ذرعًا من أفكار المجتمع المريضة، ونظرتهم المقيتة للزواج، وكيفية استغلاله. توقفت لفترة، هي استراحة محارب، استراحة من أنقطع أمله من نفسه، ومن حوله، وعلقه بالله وحده.

أنا عنيد لدرجة أن الفشل يفشل في إفشالي

شكرًا للقارئ العزيز على وصولك لهذه النقطة، أرجو أن تكون مفيدة لك. وفي حال أعجبتكم، لعلي أتحدث أكثر عن بعض المحاولات المذكورة بتفاصيل ودروسه أعمق، تحياتي.

التحف الفنية من إبداع: 1، 2، 3، 4، 5، 6، 7، 8،