أتعرفون تلك الفقرة في المسلسل، عندما يعود بنا المخرج إلى نقطع ماضية من الأحداث، ثم يسردها بطريقة تفصيلية لنفهم بعدها الأسباب الكامنة خلف غياب إحدى الشخصيات، ما الذي حدث معها، مالذي تغير؟
سأفعل ذلك اليوم، وسأعود بالماضي إلى 2019، يعني قبل 4 سنوات، ومنها ستعرفون مالذي تغير، وما هي الأسباب التي أدت إلى توقفي عامان عن التدوين.
ولأن المقال لا يملك تسلسل واضح، فلعل من الأفضل جعله على هيئة نقاط، أرجو لكم قراءة ممتعة 🙂
- بعد سنوات لا تعد ولا تحصى من شغف لعب الكرة، توقفت بغير رجعة، قتلوا حماسي قاتلهم الله.
- ربما 2019 هو ثاني أكثر عام من التقلبات التي مررت بها، ففيه فشلت بقدر فوق المعهود لأي أمر أردت القيام به، فشلت مرتين في فتح مشروع تجاري، وثلاث مرات في شراء سيارة، ووصلت إلى نقطة اللا عودة مع العمل الحر، فشلت فيه هو الآخر.
- ثم قررت تغيير مساري، سأبحث عن وظيفية تقليدية، من كان يصدق أنني سأفعل هذا! أتدرون ماذا حدث، رُفضت 3 مرات متتالية من وظائف أعلم يقينا أن مهاراتي أعلى منها بكثير، ليضيف هذا ترسانه من الفشل إلى فشلي السابق.
- بحمد الله وفضله انتهى العام على خير، وعوضني الله فوق ما أتمني، تمكنك أخيرًا من شراء سيارة تكفي كل احتياجاتي ورغباتي.
- حصلت على وظيفة في نفس مجالي، تصميم واجهة وتجربة المستخدم UI/UX في شركة محترمة.
- بعد ذلك، ركزت كل طاقتي للعمل، وهو ما انعكس بالسلب على باقي هواياتي، قل نشري للصور على انتسقرام بصورة ملحوظة، حتى توقفت، وقل نشاطي في المدونة هي الأخرى، شيئًا فشيئًا حتى توقفت عن الكتابة تمامًا لمدة طويلة.
- تركت لعب ألعاب الفيديو تمامًا، ومع أنني أحاول العودة بين الفينة والأخرى، وفي كل مرة أعلم أن هذا المجال لم يعد لي، هرمنا يا جماعة 🙂
- توقفت عن كثير من هواياتي، الرسم، التصوير، القراءة، الكتابة، وأنحصر متابعتي للأنمي بصورة غير معهودة، ما حدث يشبه جفاف نهر الأمازون نتيجة التصحر. وغيرها…
- حاولت العودة للكتابة أكثر من مرة، بدأت في عنونة بعض المقالات، ولكني لم أكتب شيئًا يستحق الذكر.
- كنت لا أهتم كثيرًا لمشاعر الآخرين، الحقيقة المطلقة فوق كل شيء، صحيح أنني لم ولن أتعمد أذية أحد، لكن فيما يخص الأسلوب، والحقائق، فمشاعرك حينها آخر ما ألتفت إليه.
- حتى لا يصل المعنى مغلوطًا، لو جاء شخص وسألني عن رأيي في شيء قام به، وكان بوجهة نظري سيئ، أو غير جيد، لقلت له ذلك، ولوصفت له بالتحديد مواطن الخلل لديه بغض النظر عن مشاعره.
- بينما كان بإمكاني ترك ذوقي جانبًا، وتلطيف نقدي له، أو ربما حتى مجاملته، لن اكسب شيئًا من تحطيمي له، بل سأخسره، وسأكسب إثما لجرحي مشاعره، وكسر خاطرة.
- خلال هذا الوقت، تغير الكثير في شخصيتي، لم أعد ذلك الشخص القاسي، صاحب المنطقية المفرطة، حسنًا، ربما لا تعرفون ذلك، ولكنني كنت كالحجر تمامًا، وكنت معروفًا بالصرامة والحزم، وبرأيي الذي لا يتزحزح، ولا ننسى أن المشاعر لا تمثل لي أي اهتمام.
- للإنصاف ما زلت أحوم حول شخصيتي السابقة، لم أتغير كثيرًا، يمكن القول أني أصبحت ألطف من ذي قبل وأكثر مراعاة للآخرين.
لا تغرك صلابتهم.. فالإنسان كائن هش جدًا.
- ما زلت أتذكر ذاك السؤال من اختبارات التحليل الشخصية، حينما يخيرك بين أمرين: لو ارتكب زميلك خطأ ما، هل ستواجهه بخطأه حتى لو أدى ذلك إلى جرح مشاعره، أم ستحاول تفهم أسباب قيامه بهذا أولًا.
- النسخة السابقة مني ستختار الأول بلا شك، أما الآن فلست فقط سأختار الثاني، بل إني سأعمل جاهدًا على توصيل المعلومة وإرشاده بطريقة لطيفة قدر المستطاع حتى لا تُجرح مشاعره.
- تركي لكثير من هواياتي حولني إلا هوايات جديدة، صدقوا لقد تابعت السياسة لفترة، وقرأت في الاقتصاد، المحاماة، العقار، الإنسان، تعمقت كثيرًا في الشأن الداخلي لبلدي، وغيرها…
- بالإضافة، تعلمت ميكانيك السيارات، لم يطل الأمر حتى تثاقلتها، اللعنة على المفكات صينية الصنع.
- لا أدري ماذا حدث، تغيرت وتحولت من محب للقطط إلى كاره، لا أطيق وجودها بجواري.
- تطور مستواي في الغزل، والفضل يعود لحبي وحبيتي، وعشقي ومعشوقتي، وأنسي ومؤنستي، وصاحبتي في وحشتي، ورفيقة دربي في سفري، سيارتي العزيزة آسيا -نعم سميتها آسيا، هل من متعرض لا قدر الله! 🙂 – ، أدامها الله لي وحفظها من كل مكروه.
ما عاد في عالمي ألوان سواكِ.
- زاد مستوى التصالح مع الآخرين، كنت أعتبر نفسي متصالحًا مع المختلفين عني، أظنني الآن وصلت إلى مستوى متقدم جدًا، لتجربة كوريا الجنوبية، وبيئة العمل الفضل الكبير لهذا التحسن، بعد توفيق الله طبعًا.
- تلك النزعة في إثبات وجهة نظري وأني على حق انحصرت كثيرًا، ما زلت أرى في بعض الأحيان أني محق، ولكن لم أعد حريصًا كما كنت سابقًا، أصبحت الآن متقبل أكثر للآراء المختلف عني.
- أصبحت الآن مؤمن أن بعض المسارات كلها صحيحة، حتى لو اختلفت في طريقتها، فكون الأسلوب غير منطقي بالنسبة لي لا يعني أن النتيجة النهائية قد تكون خاطئة (هذه النقطة خارج المفهوم الديني تمامًا، فالدين من عند الله وليس من عند أنفسنا).
- لم تنتهي سلسلة الفشل، أشياء متعددة علقت عليها أمال كبيرة لم يتحقق أي منها، بعضها سأتركها في طي النسيان، والبعض الآخر كتبت عنها بالفعل مقال لأشاركه معكم.
- أنطفئ حماس المشاركة، النقاش، الظهور، والتفاعل مع المجتمع، سواء الرقمي أو الواقعي، كثيرًا ما كتبت كلامًا وقبل الضغط على زر الإرسال أعود لأمسح كل ما سبق.
- غدت حياتي مملة وروتينية جدًا، عبادة، عمل، أكل، نوم، وهكذا لأشهر عديدة، روبوت على هيئة إنسان. ما تراه الآن هو محاولة لإعادة إنعاشها.
- بعد التفكير، أظن من أقوى أسباب توقفي عن الكتابة، قلة المشاعر في حياتي، وجدت المشاعر دافع قوي ومحفز للكتابة، وبتحولي إلى روبوت خسرت جزء من إنسانيتي.
- ما زلت أرى الحياة جميلة، لكنها لم تعد براقة وزاهية كما كانت. يبدو أن أحدًا قد حول التلفاز إلى وضعية الأبيض والأسود.
- لمعالجة هذه المشكلة حاولت صناعة عالمي الخاص، أتابع فيه ما أحب، وأمتنع فيها كليًا عن ما يعكر مزاجي، عشت فترة أشهر بسيطة بهذه الطريقة، وما لبثت حتى علمت أنها مجرد وهم، وتخدير مؤقت، يعميك عن حقيقة عالمك.
- استيقظت بعدها وعلمت أن الوهم لا يصلح لبناء شخصية ناضجة، عليك أن تعيش في واقعك بأكمله، بحلوه ومره، وتتعلم كيفية التعايش معه، وتتقبله كما هو.
- تعلمت أن سلامة ذهني أولى من إثبات وجهة نظري حتى لو كانت صحيحة، كما ذكرت ذلك في نهجي من أجل حياة تنعم براحة البال.
- تطورت كثيرًا في فهم الجو العام والتلميحات الخفية والإشارات المبهمة، شكرًا لتجاربي المؤلمة (هنا مثال بسيط بطابع كوميدي).
- زاد وعيي بنفسي أكثر من ذي قبل، أعلم الآن مواطن ضعفي وقوتي أكثر من أي وقت مضى.
- ارتفع مستوى تصالحي مع ذاتي كثيرًا، لا مشكلة في أن أخطئ فأنا لست ملاكًا يمشي على الأرض.
- أدركت في هذه الفترة كيف يمكن أن يتحول الحب إلى كره إذا أصبح المحبوب مصدر تعاسة، وكيف يمكن بصلاح حاله أن تعود المياه إلى مجاريها. لا تذهبوا بعيدًا يا رفاق، إنما أنا أتحدث عن محبوبتي آسيا.
- توقفت عن المبادرة الدائمة، لأعطيك جزء من وقتي، طاقتي، حماسي للحديث أو الخروج أو أي شيء من هذا القبيل، أثبت لي أولًا أنك تستحق هذا، لا تتوقع مني المبادرة في حين أنك لم تكلف نفسك إرسال رسالة حتى (الكلام عن الأصدقاء والأصحاب وليس العلاقات المحرمة).
- لم تعد لدي طاقة للنقاش والمجادلة والتبرير -إلا فيما ندر- والاعتذار.
- على غير العادة، أصبحت في بعض المرات أوضح وأبرر حتى لو كنت مقتنع تمامًا أنني لم أرتكب أي خطأ، يزيل عنك التبرير أحيان بعض الفهم الخاطئ، وقد يقيك من سوء الظنون.
- المهم ألا تبالغ كثيرًا، كثرة التبرير مزعجة، وتدل على ضعف في الشخصية، وحتى لا صبح حياتك عبارة عن تبرير في تبرير.
- كلما تقدمت في الحياة أكثر، أيقنت أن البساطة في كل شيء كنز، حتى أني وصلت إلى مرحلة لا تتقبل نفسي فيها التكلف إطلاقًا.
- لا أدخل في معركة لأثبت لك فيها من أنا، نفسي أثمن علي من تضييع وقتها في معارك مع من لا يقدر قيمتها.
- تعلمت أن أصدق نظرتي الدقيقة وتحليلي المبدئي، وحسي الداخلي، لطالما شعرت أن هناك خطبًا ما في تلك الأحاديث الصغيرة والجانبية، لطالما أحسست أن المنطقية في حدث ما غير منطقية، لقد لاحظتها مبكرًا لكني أحسنت الظن بمن لا يستحقه.
- جعلني هذا أكثر حذرًا من العلاقات الجديدة، سأخذ وقت كافي قبل أن أعطيك منزلة لا تستحقها، لا تلمني، هذه صنائع عالمكم.
- ليس الأمر أنني أصبحت منعزلنا، بل على العكس، أصبحت الآن أكثر وعيًا بمن يجب علي توطيد علاقتي معه، ومن لا يجب.
- اقتنعت أني مختلف كثيرًا في تفكيري، ربما لهذا السبب أصدقائي المقربين قليلين جدًا.
- زهدت في الحياة، تغير نظري تجاهها، لدرجة أنني أصبحت أدعو للآخرة أكثر بكثير من دعائي للدنيا.
- على أن حياتي قد تطورت للأحسن، إلا أن سعادتي تدحرجت للأسفل، ما عدت أدري مالذي تغير.
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا).
لعل هناك المزيد، لكني لا أذكرها، انقطاعي عن التدوين أثر علي. عموما، وقليلًا من الإيجابية، كتبت اليوم أكثر من ألف و 500 كلمة، لعلي أعود للكتابة أفضل مما كنت 🙂
قد تبدو هذه الفقرات مليئة بالسوداوية، لكن على الصعيد الشخصي أراها صقلت شخصيتي أكثر، شكرًا لكل الأشخاص الذين ساهموا في جعلي نسخة أفضل مما كنت عليه. وسامح الله البقية، في الدنيا والآخرة.
كل التقدير والاحترام