رغبت في للحج هذا العام، فبادرت للبحث وسؤال معارفي عن طريقة التسجيل وعن الحملات المناسبة وما شابهها، وللأسف الشديد كانت إجاباتهم سطحية جدًا، لا تقدم ولا تؤخر.

فوكلت أمري لله، واخترت حملة وسطيه من حيث السعر، عسى أن توفر لي الأساسيات بشكل جيد بحيث تعينني على رحلتي إلى البيت العتيق .

تنبيهات

  • المقال مختلف في طريقة السرد، فبدل السرد المتواصل ستكون الحوادث على شكل نقاط.
  • لا يفترض بتجربتي أن تكون مقياس للحج، لأنها لا تعدو عن كونها تجربة شخصية، بالإضافة إلى أن خياراتي وتصرفاتي ستختلف من شخص لآخر.
  • ستجد في هذا المقال العديد من المشاكل، ويجب أن تفرق عزيزي بين أخطائي، مشاكل الحملة، وصعوبات الحج.

بداية الرحلة إلى البيت العتيق :

  • انطلقنا في اليوم السابع من شهر ذي الحجة بعد نوم يسير الساعة الثالث قبل الفجر، متجهين إلى مكان الاتفاق الذي حددته الحملة، وفي الطريق أوقفنا أحد رجال الأمن لتفتيش السيارة، ولا أدري حقيقة هل شك فينا أم يريد أن يتسلى ويقتل الوقت، أو ربما لأن السيارة أعجبته وأراد تفقدها 🙂 المهم أنه استغرق قرابة 20 دقيقة من البحث غير المجدي ليتركنا في النهاية إلى حال سبيلنا.
  • وصلنا إلى الموقع، وأول ما لفت أنتباهي شعار مرسيدس على حافلة الحملة. أي شخص لديه معلومات ولو يسيرة في مجال السيارات يعرف أن مرسيدس هي رمز الفخامة والحداثة الألمانية العرقية، ركبت الحافلة وشعرت باطمئنان صراحة بعد رؤية سعار مرسيدس.
  • بعد انطلاقنا وسطوع نور الشمس علينا بدأت ملامح الحافلة الحقيقية بالظهور، وكانت قديمة مهترئة، أثار الترميمات تملئها، لا تنفك تهتز كأنها طاحونة كلما مرت على حفرة أو شق في الأزفلت كما لو أنها ستفكك.
  • أزداد الأمر سوءًا بعدما اشتدت حرارة الشمس، فمكيفها لا يسمن ولا يغني من جوع، وبدأ العرق يتصبب من شدت الحر.
  • ومع رحلة كادت ألا تنتهي استغرقت 16 ساعة وصلنا أخيرًا إلى أطهر بقاع الأرض، مكة، مدينة رسول الله عليه أفضل الصلاة والتسليم.
  • خرجنا قاصدين بيت الله الحرام، طفنا وسعينا وكانت الأمور بحمد الله يسيره، ولم نواجهه مشقة فيها، باستثناء بعض الآلام في القدم من كثرة المشي.
  • خرجنا بعدها من البيت العتيق لتناول قليل من الطعام، كان الجوع يقتلني، فلم آكل في الحافلة غير فطيرة وقليل من البسكويت، وبعدها توجها لتقصير الشعر، ثم عدنا إلى الحافلة لمتابعة الطريق إلى منى، حيث يقبع مخيمنا.

اليوم الثامن:

  • وصلنا المخيم، صلينا الفجر، ثم توجهت إلى الخيمة التي فيها فراشي، بعد يوم متعب أردت فقط الحصول على بعض النوم، نوم هادئ أشد به ساقي استعدادًا لباقي أيام الحج.
  • صدمني الواقع بكون الخمية متروسة على الآخر بالحجاج، 44 حاج لا يفصل بين أحدنا والآخر غير بضعت سانتي مترات. لا مشكلة استطيع التأقلم على الأمر، المهم أن أنام الآن.
  • وما هي إلى دقائق ليوقظني حديث الحجاج من حولي، وكأنه لا يوجد شخص متعب يريد النوم بجانبهم. حاولت النوم مرة أخرى متغاضيًا عن حديثهم، وهذه المرة استيقظت ببوق رجل الأمن الذي ينظم سير الحافلات جانب المخيم، وبين حديث صاخب، وبوق صارخ، وحر سالخ، قمت من فراشي ولم أذق من النوم إلا يسيرا.
خرجت للوضوء وسط استياء وتذمر في داخلي، وبينما أنتظر دوري جلست أتفرج من المخيم على الحجاج المساكين، ممن فراشهم الأرض، ولحافهم السماء، وفكرت كيف أن النعم علي لا تعد ولا تحصى إلى أنني لا أراها.
  • ذهبت لتناول الفطور، وتابعت باقي الوقت في أمور متفرقة. مع اقتراب المغرب تغير الجو واصبح غائمًا، ويبدو كما لو أن الأمطار ستهطل عما قريب.
  • وما هي إلى دقائق لتهب العاصفة أثناء أدائنا لصلاة المغرب، عاصفة شديدة حطمت جزء كبير من المخيم. أخلي الحجاج إلى خارج المخيم حتى لا يصابوا من تطاير الحطام.
  • وسط زحام شديد، شاهدت الخوف يملأ وجيه بعض الحجاج، بكاء وهلع مصحوبه باتصالات هاتفيه قد تكون لأجل كتابة الوصية 🙂
  • ذهبت بعدها للتمشي في منى، وللتعرف عليها أكثر. أثناء هذه الجولة البسيطة رأيت كم كبير من الفقراء الحقيقيين، والذين لا أعلم صراحة كيف تمكنوا من السفر للحج مع فقرهم المدقع، رؤيتهم بتلك الحالة أمر يحز في النفس حقيقية.
  • توجهت إلى أحد المطاعم المتراصة جانب الطريق لشراء فطيرة تسد جوعي، وبينا كنت أكلها لا أدري كيف يمكنني التلذذ بطعمها والفقراء من حولي لا يجدون ماذا يلبسون فضلًا عما يأكلون. بين هذه المشاعر المتعارضة أنهيت الفطيرة ومشيت في سبيلي.
  • توقفت العاصفة بعد وقت ليس بيسير، بقينا بعدها خارج المخيم ننتظر إصلاحه وتنظيفه. استمر كل هذا حدود الأربع ساعات. وما هي إلى دقائق من دخولنا المخيم لتصل الحافلات، سيتم إخلائنا إلى عرفات بسبب ظروف المخيم.

اليوم التاسع:

  • وصلنا إلى عرفة، وللمرة الثانية يصدمني الواقع، قرابة 200 شخص تحت سقف واحد، وكالعادة لا يفصل بين أحدهم والآخر غير بضع أصابع.
  • بالكاد نمت بعض الوقت لاستيقظ من سوء التنظيم والإزعاج المتواصل من حديث الحجاج. صلينا الفجر وحاولت النوم من جديد، ولا حاجة لأخبركم بأني لم أتهنئ بالنوم أيضًا. بعد ذلك ذهبت لأكل الفطور، وانتظرنا سماع الخطبة، وكانت مبثوثه في المخيم.
  • خرجت بعد الظهر لأتفاجئ بأن أحذيتي الحبيبة قد اختفت، بحثت وبحثت دون جدوا.
  • مر اليوم بدون شيء مميز حتى دنى وقت الغروب، استسلمت للأمر الواقع وخرجت حافي القديم متجها إلى الحافلة للذهاب إلى مزدلفة.
  • خارج المخيم وجدت عجوزًا قد بلغت من العمر عتيا، وبجوارها زوجها الذي لا يختلف عنها حالًا، طلبت مني حمل كرتون الماء ونقله لبضعة أمتار إلى الأمام، وقد فعلت، ولا أدري لماذا طلبت ذلك؟
  • ومع ما بها من عجز وفقر إلى أنها حريصة أشد الحرص على حجابها، ولا تدع غطاء رأسها يظهر شيًا من وجهها، أعجبني ما بها من حرص حقيقة.
  • وصلت الحافلة وكانت أقرب ما تكون للفرن، حرارة شديدة غير محتملة، يبدو أن المكيف على ما به من سوء قد أزداد سوءًا وأصبح يخرج حرارة لا برودة.
  • بالطبع لا يمكن احتمال الجلوس بداخلها بهذه الحالة، فخرجت منها.
وسبحان الله، بينما كنت منتظرًا بجوارها جاء شخص ووقف بجانبي، فنظرت إلى أحذيته وإذا بها أحذيتي الغالية -غالية في النفس وليس في السعر 🙂 -.
  • ذهبت وسلمت عليه، أخبرته بأن هذه هي أحذيتي. نظر في وجهي، ثم في قدماي الحافيتان، ثم في قدميه، وجلس يقلب نظره وكأنه يقول: حرام علي جعله يمشي حافيا. أعتذر مني وأعادها إلي 🙂
  • وبعد ساعة من الانتظار ومن مخاصمة الحجاج للمشرف على الحملة، جاؤوا لنا بحافلة بديلة.
  • ركبنا الحافلة البديلة وتوجهنا إلى مزدلفة، وفي تلك اللحظات شاهد المشرف العجوز وحالها المشفقة، فحن عليها وعلى زوجها وأدخلها معنا إلى الحافلة.
  • وبسبب التأخر في إحضار الحافلة البديلة علقنا في زحام شديد، ولم يجد السائق مكانًا ليركن الحافلة فيه. والأصل أن يبيت الحاج هذه الليلة في مزدلفة، ولكن لأنه لا يوجد مكان للوقوف اقترح علينا المشرف أن نبيت في الحافلة -وللحجاج الخيار في القبول أو الرفض-، والسائق أعانه الله سيستمر في القيادة إلى طلوع الفجر يدور في مزدلفة.

اليوم العاشر:

  • كمية التعب النفسي التي حدثت من هذا التصرف فضيعة، فلا مكان وسيع ولا نوم هنيء.
  • مع صباح اليوم العاشر عدنا إلى منى، وذهبنا بعدها لرمي جمرة العقبة ثم حلق الشعر، بعدها يجوز للحاج التحلل من لباس الإحرام.
  • قضيته باقي اليوم في المخيم، وكنا نخطط للنوم بضع ساعات ثم التوجه آخر الليل إلى البيت العتيق لطواف الإفاضة والسعي، ولكن من شدت النوم أجلنا المهمة لوقت آخر.

اليوم الحادي عشر:

  • بعد صلاة العصر ذهبنا لرمي الجمرات، وتابعنا المسير للبيت العتيق لأداء الطواف والسعي، وكان سهلًا يسيرًا بحمد الله، وقد أخترنا الذهاب إلى البيت العتيق مشيًا على الأقدام طول الطريق ذهابًا وإيابًا.
  • عدنا إلى المخيم قرابة الساعة الحادية عشر مساءً، باقي الوقت قضيناه في الحديث مع رفقتنا والتخطيط لليوم التالي.

اليوم الثاني عشر:

  • انطلقنا نرمي الجمرات بعد صلاة الظهر، وكان الزحام خانقًا، بالكاد تمكنا من رميها.
  • بعد الرمي توجهنا إلى البيت العتيق لطواف طواف الوداع، وهو الآخر كان مزدحمًا.
  • بهذا نكون أتمينا الحج ولله الحمد.

جواهر نفسية:

  • لا أدري لماذا تعتقد بعض النساء بأنهن من الحور العين، عندما ركبنا الحافلة أول مره كان الوضع عشوائي، هنا أمرأه وأخيها، وهنا أم وأبنها، وهنا زوج وزوجته… فنويت الذهاب إلى آخر الحافة بما أنه فارغ لتعترض علي إحدى النساء، الجزء الخلفي ممنوع على الرجال! عجيب كيف يمنع والنساء جالسات في كل مكان؟ سكت ولم أكلمها وجلست في مكان آخر.
  • وفي وقت آخر نفس تلك المرأة جلست في المقعد الذي أمامي، -ركزوا معي هي من جاءت وجلست أمامي وليس أنا من جاء متأخرًا- . وأخبرتني بتغيير مقعدي حتى “لا أكون خلف النساء” طبعا حرام علي الجلوس خلف النساء وحلال على غيري؟؟
  • في الجمرات اليوم الثاني عشر كان الزحام شديدًا جدًا، ومع تلك اللخبطة العجيبة انتبهت إلى أن هناك أمرأة أمامي مع أنني أتحاشا ذلك، بعد أن شاهدتني خلفها ابتعدت قليلًا، وبالطبع عندما يشاهد الحجاج مساحه فارغه أمامك سيدفعونك رغم عن أنفك لتتقدم، ومع دفعهم لي لمست يدي لا أعلم هل في رجلها أم في حقيبتها، المهم أنها ألتفت تعاتبني “أنا كلما ابتعدت عنك لحقتني.. أوف”، بالطبع سكت ولم أرد عليها.
  • والله ما ذهب للحج لمغازلة النساء، ولا للتحرش بهن. يعني ما وجدتُ غير أطهر بقاع الأرض لفعها؟ قليل من المنطق يا جماعة.

أشياء أعجبتني:

  • التطويرات والتوسعة التي في الحرم والجمرات ومرافقها شيء يستحق التقدير والاحترام.
  • كمية التنظيم ورجال الأمن والكشافة والمتطوعين التي تنظم السير وتساعد الحجاج أمر يثلج الصدر.
  • الأعمال الخيرية ومساعدة الحجاج في كل مكان.
  • الحج بشكل عام سهل بفضل الله.
  • بعض الحملات كانت توزع الفائض من الطعام على الحجاج المحتاجين.

أشياء أزعجتني:

  • للأسف الشديد كثير من الحجاج لا تهمة نظافة البيئة إطلاقًا، كمية الأكل والقمامة الموجودة في الشوارع مهولة، كان الله في عون المسؤول عن تنظيفها.
  • في أحد الأيام شاهدت حاجًا تسقط منه علبة ماء لا تزال مليئة، أخذتها من الأرض ونبهته لها، فلم يأخذها مني، أتضح لي أنه رماها عمدًا.
  • وللأسف أيضًا بعض المخيمات لا تتعامل مع مخلفات الأطعمة بطريقة صحيحة، تكاد تختنق من سوء الرائحة كلما مررت بجانبها.
  • لا أدري لماذا تصر سموم التدخين على ملاحقتي أينما ذهبت، رائحة الدخان منتشرة في كل مكان تقريبًا، والغريب أنك تجدها في بعض الأوقات من الحجاج أنفسهم، أما علمت أن أذية الحاج عظيمة؟
  • من حِكم الحج إلغاء الطبقية بين الناس، الجميع متساوون، ويتجلى هذا في البيت العتيق ، ولكن ما إن تخرج منه إلا وترى الطبقية قد برزت كالجبال.

فوائد رحلتي إلى البيت العتيق:

  • أول فائدة وأهمها أدائي لحجة الإسلام.
  • تعلمت العديد من الأشياء عن الحج، ولا أقصد العبادات، بل كيفيه التصرف وطريقة اختيار الأوقات والأماكن الأفضل لتجنب الزحام وما شابه.
  • قابلت مجموعة رائعة جدًا من الأشخاص، استمتعت بالحديث معهم، وقضينا وقتًا رائعًا. ولأكون صريحًا لم أكن أتوقع شيئًا كهذا، لكنه حدث.
  • مشاهدة الفقراء “الحقيقيين” عن قرب تجعلك تفكر في حالتك وتحمد الله عليها.
  • بعض المواقف التي شاهدتها ترقق القلب، وتجعلك تعيد حساباتك في بعض الأمور.

حسنًا، وصلت إلى نهاية الرحلة، أرجو أن تكون رحلتي إلى البيت العتيق ممتعة لكم ^_^

بالمناسبة، لا داعي للتعليق إذا كان عباره عن دعاء أو تهنئة، أدعو لي في نفسك إذا رغبت.

تحياتي

مصدر الصورة