عندما كنت أدرس الجامعة في المستوى الرابع تحديدًا -السنة الثانية- قام بتدريسنا دكتور جديد علي، ولكن لحسن الحظ فسمعته طيبة، ولا يبدو بأنه من الأساتذة الذين يُكرهونك في حياتك، كان تعامله جيد، وليس بشديد إطلاقًا، قوانينه واضحة، ومن السهل التقيد بها، أحظر المقرر والقلم، لا تزعج، ولا تغب لحد الحرمان.

وليس هذا فقط، بل أن المقرر الذي حدده علينا في حدود الخمسين صفحة، في كل درس يعطينا عدة اسأله نكتبها، حتى عندما يأتي موعد الامتحان نذاكر هذه الأسئلة فقط. بعبارة أخرى معادلة النجاح بسيطة، تقيد بالمطلوب، واحفظ الأسئلة لتنجح بتفوق.

لكنني لم اكتفي بهذا، أحب أن يكون لدي انطباع جيد من الأساتذة، حضرت جميع المحاضرات باستثناء اثنتين فقط لظروف صحية على الأغلب، احضر لقاعة الدرس قبل مجيئه حتى، أجلس في الأمام بدون أي إزعاج، أشارك وأقرأ الدرس إذا احتاج إلى الموضوع إلى قراءة، يعني بدون أن أمدح نفسي كنت طالبًا جيدًا بحق.

مرت الأيام والشهور وأنا مستمر على انضباطي إلى أن جاء وقت الامتحان النهائي، حفظ 95% من المقرر حفظًا تامًا، وباقي الخمسة بالمئة كانت عبارة عن طلاسم شعرية، فتجاهلتها مع أني متأكد من أنها ستأتي في الاختبار. حقيقة لست ممن يطمح للتفوق، يكفيني أن أنجح بدرجة “جيد، وجيد جدًا”، ولا مشكلة لدي من ترك سؤالين بدون حل، فلن يحدثا فرقًا بالنسبة لي.

حسنًا، جاء وقت الامتحان، استقرت ورقت الأسئلة أمامي، نزعت سيفي المسلول، لا تستغرب، القلم في المدرس كالسيف في المعرك 🙂 المهم، بدأت بتفريغ ذاكرتي الفولاذية في الورقة، نسخه طبق الأصل من المقرر تمامًا، لا اختلاف فيها. أيقنت بنجاحي، بل أني عرفت درجتي التي سأخذها، 80%، ووضعت حد أدنى 75% يستحيل أن آخذ أقل منه.

جاءت الصاعقة عندما ظهرت النتيجة النهائية، هـ وتعني راسب، مررت بصدمه مؤقت، ولكني خرجت منها بقولي لنفسي بأن هذا مجرد خطأ في الرصد، ذهبت بعد عدة أيام إلى الجامعة، أخذت رقم الدكتور، اتصل عليه عدة مرات بدون أي رد، راسلته أيضًا ولكن دون جدوى. ذهبت إلى وكيل الكلية وأخبرته بالقصة، قال لا عليك، الموضوع بسيط، الدكتور مسافر، تعال بعد أسبوعين -يعني بداية الفصل الجديد- وتحدث مع الدكتور.

حسنًا، عدت إلى البيت مرتاح البال، ما هي إلا بضعة أيام لأخذ الدرجة التي استحقها، وبعد انقضاء الفترة، ذهبت إلى الجامعة، ويال محاسن الصدف، هذا الدكتور يدرسني أيضًا مقرر جديد. جميل جدًا، سيكون البحث عنه والتواصل مع أسهل هكذا. انتظرت إلى أن أنهى محاضرته الأولى، ثم ذهبت لأكلمه في الموضوع.

قال مع أني متأكد من عدم استحقاقيتك للنجاح، إلى أني سأنظر في الموضوع، انتظر أسبوع، ولم يكلمني أبدًا، ذهب وتحدثت معه مجددًا، قلت له: هل راجعت ورقتي؟ قال لا، أنت راسب أصلًا، ما زلت أتذكر إجاباتك. (عجبًا لهذا الدكتور الذي يميز إجاباتي من بين أكثر من 200 طالب) حينها شككني كلامه في نفسي، ولكني ما زلت مصرًا على أني أستحق النجاح، وأنه ظلمني. حاولت معه بالكلام اللطيف قليلًا إلى أنه لم يعرني أي اهتمامًا وانصرف وكأنني أحدث الجدار لا أحدثه هو.

ثم انتظرت أسبوع آخر وذهبت لأحدثه للمرة الثالث، وهذه المرة تعامل معي بأسلوب مزعج، تجاهل الحديث عن مراجعة ورقة الاختبار، وبدء ينتقدني شخصيًا، أزعجني كلامه حقيقة، ولكني سكت ولم أرد عليه. عرفت حينها أن الموضوع لن يحل بهذه الطريقة، علي التحدث مع من هو أعلى منه.

ذهبت لوكيل الكلية، وطمئنني بأن الموضوع بسيط، وقال: يحق للطالب مراجعة ورقة الامتحان في حال شك في درجته. عدت للدكتور وطلبت مشاهدة ورقتي، لكنه رفض رفضًا قاطعًا. ذهبت لوكيل القسم الذي يعمل فيه الدكتور، وأخبرته بالقصة، وقال بكل بساطه، الموضوع بيد الدكتور، لا نستطيع إجباره على شيء هو رافض له.

ومن وكيل الكلية، إلى وكيل القسم، إلى دكتور المادة، ذهابًا وإيابا، مرارًا وتكرارًا، لا شيء من هذا يجدي نفعًا، مع أن طلبي في غاية البساطة، أريد ورقتي فقط، وهذا بالمناسبة حق من حقوق الطالب. وبعد كل هذا، قررت الذهاب والتحدث إلى عميد الكلية -أعلى منصب- شخصيًا بشأن الموضوع. ويال الروعة، العميد والوكيل موجودين مع بعضهما.

وحتى لا أقطع عليهم سوالفهم المهمة، انتظرت إلى أن انتهوا وبعدها بدأت بالحديث، وكالعادة أخبرتهم بالقصة، وبطلبي البسيط، وإذ بوكيل الكلية “يجحدني” وينكر تمامًا إمكانية مراجعة الطالب لورقته، ويكمل العميد الكلام نيابة عنه ويقول: هذا دكتور طيب، من المستحيل أن يرسبك هكذا. يعني لا أعلم من هذا الشخص الذي بلغ من العلم والدين إلى أن يزكيه بهذه الطريقة، حاولت معه قليلًا ولكن دون جدوى، ختمت حديثي معهم بـ: أنت راعٍ على الكلية، وأنت مسؤول عن رعيتك، وستسأل عني يوم القيامة.

توقعت أن يراجع قراره، يفكر قليلًا على الأقل، ولكنه لم يصغي إلى حتى. بعض البشر قلوبهم كالحجارة بل أشد قسوة.

خرجت من عندهم غاضبًا وتوجهت بعد عدة أيام لأكلم مدير الجامعة شخصيًا، فهو يسمح للطلبة بمقابلته لحل مشاكلهم يومين في الأسبوع، كتبت خطاب بسيط له وضحت فيه مشكلتي وطلبت منه حلها. في ذلك اليوم لم يحظر المدير بل حظر نائبة، وبعد انتظار في زحام المقابلة لأكثر من ساعه ونصف، قابلته أخيرًا، سلمت عليه وصافحته، أعطيته الورقة، وأخبرته بالمشكلة، ليفاجئني بنفس رد العميد قائلاً: من المستحيل أن يرسبك الدكتور.

حينها استسلمت للأمر الواقع، فعلت كل ما بوسعي وأكثر، ولكن دون جدوى، ومع ذلك لم أذهب لأحذف المقرر الجديد الذي يدرسه نفس الدكتور السابق، سأحظر وسأجعله يشاهدني في كل محاضرة، كل مره سأدخل من أمامه وسأهذب لأجلس في آخر القاعة لدرجة لا يمكنني مشاهدة ما يكتبه على السبورة، لن أنتبه لكلامه، لن أشارك معه، لن أكتب، ولن أفعل أي شيء، سأغيب نصابي، وسأحظر متأخرًا، وإن كان رجلًا فليرسبني مجددًا.

وفعلًا فعلت كل ما قلته، وزدت عليه أني ألهو بالهاتف ما أمكنني، وعندما جاء وقت الاختبار الأول (هناك اختبارين في الفصل الدراسي)، آخذت الأسئلة من زميلي، وحفظتها كما فعلت سابقًا، اختبرت وآخذت فيه الدرجة الكاملة. كررت نفس الشي مع الاختبار النهائي ولكن هذه المرة لن أحفظ 95% من المقرر، سأحفظ 100% وسأنجح رغما عنه، ونجحت فعلاً في المادة بدرجة 100 في 100.

كيف تتعامل مع الوضع إذا حدث لك موقف مشابه؟

إذا كنت طالبًا جامعيًا فعليك الاستعداد لشي مماثل، الأساتذة الجامعيين يمكنهم فعل أي شيء بدون رقيب أو حسيب، لذلك لا تجزع، لا تقلق، هو مجرد شي عادي يحدث للجميع، تقبل الأمر وتجاوزه، لا تتوقف عنده، الحياه حلوه 🙂

وبالمناسبة هذه بعض النصائح البسيطة التي قد تساعدك:

  • لا تخبر أحدًا من عائلتك بما حدث، لا أحد سيصدقك على الأغلب.
  • إذا كنت متحمسًا كثيرًا بشأن استعادة حقك، فربما من الأفضل ألا تتعب نفسك، غالبًا لن تجني سوى التعب وحرق الأعصاب.
  • إذا حدث ودرسك الأستاذ الذي رسبك مجددًا، فحاول معرفة هل هو الأستاذ الوحيد للمقرر أم لا، إذا كان هناك أساتذة آخرون، فلا تجازف مثلي وتعيد الدراسة لديه، فربما إن لم تقضي عليك الأولى ستفعل الثانية بالتأكيد. تجنب الأمر، أحذف المادة، واستمتع بحياتك.

  • بعض الأساتذة من الأفضل أن تخفي نفسك أمامهم، حاول معرفتهم، وفعل وضعية المزهرية معهم 🙂

  • لا تصدق قول الشاعر، لكل مجتهد نصيب. فكم من مجتهد مصيب لم يأخذ نصيبه.

من المؤسف في هذه الحياة كيف أن المجتهد لا يجد ثمره اجتهاده، وكيف أن الظالم لا يجد من يحاسبه، وكيف أن المسؤول لا يؤدي أمانته.

مصادر الصور: 1، 2